فكّر خارج الصندوق
ميكاييل ميكالكو ( بتصرّف)
سئل ألبرت آينشتين ما هو الفرق بينك و بين الأشخاص العاديين؟ فقال: عندما تطلب من أي شخص البحث عن إبرة في كومة قش فإنّه سيجلب لك أوّل إبرةٍ يجدها، و أمّا أنا فإنني لن أتوقّف حتى .... أدقّق في كومة القش كلّها و أستخرج كلّ الإبر التي يمكن أن تكون مخبّأةً فيها.
في تفكيرنا المعتاد – نحن البشر- نحاول التركيز على ما جرّبنا أو اعتقدنا نجاحه سابقاً. و هكذا يبدأ المرء فيسأل نفسه: ماذا تعلّمت من تجربتي و دراستي في شأن هذه المشكلة ثم ينطلق تحليلياً إلى اختيار أفضل السبل بناءً على تلك الخبرات و المعارف السابقة مستبعداً بقية مسالك الحل المحتملة و عاملاً على إيجاد الحل ضمن مساحةٍ و اتجاهٍ محدّدين واضحين.
الخبرات السابقة تجعلنا نثق ثقةً مطلقةً شبه عمياء بصحّة و نجاعة ما نتوصل إليه من نتائج.
وأمّا المفكرون الإبداعيّون من أمثال آينشتاين فهم يدركون أكثر من غيرهم أن معظم المشكلات لها أكثر من حلٍ واحد، و أن الإجابة الأولى لا يشترط أن تكون هي الإجابة الصحيحة.
- العقل الإبداعي سحابة تولّد الأفكار و ليس حفرةً تجتمع فيها مياه الأمطار:
خلافاً للمسلك السابق المعتاد لدى معظم البشر في معظم الأحيان فإنّ أصحاب التفكير الإبداعيّ يتناولون المشكلة بظروفها و أبعادها الجديدة الخاصة بها. إنّهم يبدؤون بالسؤال بكم طريقةً يمكنني النظر إليها؟ و كم ينفتح أمامي من الاتجاهات و المسالك المتعددة المقتربةِ من كل اتجاه؟
المفكّرون الإبداعيون يولّدون و لا يكرّرون و هكذا فإنّهم يخرجون بالحلول الفريدة.
المفكّرون الإبداعيّون هم أولئك الشجعان الذين يدورون حول القمر عندما يرفض الدوران بنفسه و يبتكرون الوسائل التي توصل شعاع الضوء المستقيم إلى وجهه المظلم.
إن الأفكار الجديدة تخضع لتقييد شديد و محاولةٍ للقولبة في صيغٍ تساير أو تقترب من المفاهيم و التصنيفات المتوارثة السائدة. و هكذا نرى كيف أن الممارسة المديدة في أحد الميادين يمكن أن تعرقل الإبداع عن طريق تقييدنا باتجاهٍ معين للتفكير.
و من الأمثلة الواقعية الطريفة على هذا الأمر ما يحكى عن القياس المعياريّ الموحد لسكك الحديد في الولايات المتحدة و بقاعٍ كثيرة حول العالم.
إن العرض المعياريّ لسكة الحديد الأمريكية هو أربعة أقدام و ثمانية إنشات و نصف أو هو نحو 1435 مليمتراً. كيف اختار الناس هذا القياس؟ لا أحد يعلم بالضبط و لكن أقوالاً قويةً ترجع هذا القياس إلى أيام الإمبراطورية الرومانية قبل أكثر من ألفي سنة... كان ذلك هو القياس الشائع لعربات الجيش الإمبراطوري (بعرض كفلي حصانين)، ثم كان أيضاً القياس المعتمد طوالَ قرونٍ عديدة في أوروبا و لدى صانعي العربات في إنكلترا. بعد اختراع القطار استخدم الصنّاع الإنكليز الأدوات والمقاييس ذاتها لتصنيع عرباته و عندما انتقل القطار إلى أمريكا انتقلت معه المقاييس كما هي!
من منّا لا يعرف في حياته الخاصة و حياة العمل قصصاً يومية مشابهة تسيطر فيها تجارب الأمس على مشاريع الغد بسلاسل خفية لا تكاد ترى و متينةٍ لا تكاد تقهر؟
من المفارقة الطريفة و الصحيحة معاً أن تحرير مخيلتك من التقييد و التوجيه المسبق حتّى تتوصّل إلى أفكار إبداعية في موضوعٍ معيّن إنّما يقوم على عدم التفكير في الموضوع!
أجل، إذا كنت تريد التوصل إلى إبداعٍ معيّن (تصميم جديد للسيارة، مثلاً) فعليك ألاّ تفكّر في صنع السيّارة (في البداية على الأقل!) بدلاً من ذلك عليك الانصراف كلياً إلى إنشاء تركيبات مجرّدة من الأجزاء المتحرّكة و بعدئذٍ تتخذ من هذه التركيبات المبتكرة نواةً لتصميم جديد
تعليقات
إرسال تعليق